ندم/بقلم:أ.محمد ديبو حبو

الأكاديمية السورية الدولية للثقافة والعلوم

ندم
======
سلمى وهي في طريق العودة لمنزلها لاحظت أحد الأشخاص يتابعها فبدأت بخطوات سريعة لعله يتراجع عن متابعته لها بعد إرسال إشارة واضحة له بكشف أمره ..
تابعت سلمى السير  وقد إنتابها شعور بالخوف والقلق حتى اقتربت سلمى من منطقة سكنها حينها زال عنها هذا الشعور   رغم استمراره بمتابعته لها مما أثار من غضبها واشمئزازها فقررت التوقف عن السير والتفتت خلفها فلم تجد أحداً يتابعها..
فجأة اختفى هذا الشخص يا إلهي منذ لحظات قليلة كان يتابعني أين اختفى بدأت سلمى تتساءل 
 عن سبب ملاحقتها من قبل هذا الشخص وما هي أهدافه ..
دخلت سلمى منزلها وهي في حالة توتر وقلق حتى أنها مرت بجانب والدتها ولم تلقِ عليها التحية والسلام فتحت باب غرفتها وأغلقته
دون أن تلفظ بأي كلمة لاحظت والدة سلمى بأن ابنتها في حالة غير طبيعية فأسرعت نحوها طرقت باب غرفتها تسألها الأذن بالدخول بدا على أم سلمى التوتر والقلق بعد انتظار طويل أمام باب غرفتها ولم تتلق أي استجابة منها قررت فتح باب غرفتها وإذ بسلمى ملقاة على الأرض غائبة عن الوعي أسرعت نحوها وهي تصرخ بصوتٍ عالٍ سلمى سلمى مابك يا بنتي أسرعت أم سلمى نحو الهاتف وجسدها يهتز كأنه يتعرض لصدمات كهربائية حتى أصابعها وهي تلامس لوحة الهاتف ترتجف يبدو بأنها فقدت توازنها عندما رأت ابنتها ملقاة على الأرض. 
اتصلت أم سلمى بالإسعاف والدموع تسيل كشلال على خديها ..
أرجوكم أسرعوا ابنتي ابنتي ابنتي ملقاة على الأرض وهي غائبة عن الوعي بعد لحظات وصلت سيارة الإسعاف وبدؤوا بالاسعافات الأولية 
فور وصولهم كإجراء وقائي وصلوا للمشفى وأم سلمى لم ترتدي حتى ملابسها فقد خرجت معهم بلباسها المنزلي ..
وهي في غرفة الإسعاف أثناء الكشف عليها كانت أم سلمى تراقب ابنتها 
من أمام نافذة الغرفة وهي في حالة هستيرية وهي تسير بخطوات سريعة ذهاباً وإياباً خرج الطبيب المعالج أسرعت أم سلمى نحوه تسأله عن
حال ابنتها دكتور أرجوك مابها أجبني أرجوك الطبيب يطمئن الأم 
بأن حالة سلمى مستقرة كل ما هنالك يبدو بأنها قد  تعرضت لصدمة أو 
 لخوف شديد أدى إلى هذه الحالة ...
أم سلمى ماذا تقول دكتور صدمة أو لخوف شديد ابنتي منعزلة تماماً عن الواقع بعد أن تركنا والدها ورحل عنا فهي لا تجلس مع أي إنسان 
حتى بالمدرسة ليس لديها أصدقاء.
الطبيب لأم سلمى 
لا نستطيع تقييم حالتها حتى تستعيد وعيها ونعلم ما حدث معها 
فمن الناحية الصحية لا يبدو لنا وجود أي مرض عضوي 
سيدتي اطمئني لا داعي للقلق الحمد لله حالتها مستقرة 
تقدمت أم سلمى بجزيل الشكر والتقدير للطبيب المعالج واقتربت 
من ابنتها سلمى وهي تتحدث معها بصوت منخفض انهضي يا كلَّ حياتي ما بك لم يبقى لي في هذه الحياة المريرة سواك ... فأنا أعيش لأجلك أنت فقط ثم التزمت الصمت وغرقت بنوم عميق 
من شدة التعب والإرهاق حتى أيقظتها أصابع يد ابنتها سلمى الرقيقة..  استيقظت أم سلمى لترى سلمى بحالة جيدة غمرتها سعادة كبيرة شكرت الله سبحانه وتعالى على سلامة ابنتها ..
في تلك اللحظات المثيرة دخل الطبيب المعالج ليتفقد حالتها 
أثناء فحصها طرح الطبيب بعض الأسئلة لعله يستطيع تشخيص حالتها بشكل نهائي وبعد الانتهاء من فحصها خرج الطبيب ثم لحقت 
به أم سلمى تسأله عن حالتها الصحية ألتفت الطبيب لها قائلاً : الحمد لله بالنسبة لحالتها العضوية وبعد الاطلاع على نتائج التحاليل 
لا يوجد أي مرض عضوي كل ما هنالك بأنها تعرضت لصدمة عنيفة أو لخوف شديد هذا كل مافي الأمر ..
عادت أم سلمى لغرفة ابنتها ثم اقتربت منها والابتسامة على ملامح وجهها لتمنحها الأمان والاطمئنان  قائلة:  ابنتي الحمد لله على سلامتك 
ثم انتظرت لبعض الوقت قبل أن تبدأ بالاستفسار عما حدث معها لم تنتظر أم سلمى طويلا حتى روت سلمى ما حدث لها لوالدتها بشكل تلقائي و دقيق تعجبت أم سلمى بما سمعت ثم طلبت منها وصف شكل ذاك الرجل الذي كان يتابعها أثناء حوارهما رأت سلمى ذاك الشخص نفسه وقد مر من أمام باب غرفتها حاولت التأكد فنزلت من سريرها بسرعة التفتت يمينا ويساراً لم ترى أحداً في الممر سوى الممرضات ..
يبدو أني كنت اتوهم هذا ما قالته سلمى بصمت... أم سلمى كعادتها التزمت الصمت وغرقت في التفكير  في ذاك الحدث الغريب 
لعله شخص يسأل حاجة هكذا استنتجت أم سلمى من منطلق واقع سلمى الاجتماعي الانطوائي .
بعد مرور ساعة أو أكثر استيقظ ظل ذاك الرجل من جديد  في مخيلة سلمى حتى بدأ أنين ألمها يصارع أوهامها المتكررة .
و ما إن حل الظلام وعم الهدوء المكان حتى راحت سلمى  تبحر في عالم الخيال 
وهي على هذه الحالة حتى ظهر طيف ذاك الرجل من جديد الذي رأته أمام باب غرفتها .
أسرعت نحوه... نظرت يميناً ويساراً لم ترَ أحدا ...
تابعت البحث في جميع أنحاء الممر لم تجده عادت إلى غرفتها وملامح التوتر والقلق بدت عليها 
عند دخولها لغرفتها صعقت وتجمدت في مكانها أنه هو الرجل الظل الذي يراقبها عن كسب موجود داخل غرفتها خيم الصمت على المكان وكلا منهما ينظر إلى الآخر سلمى بنظرات تعجب و استفهام والرجل بنظرات مليئة بالحب والحنان لحظات قليلة بدأ جسم سلمى يتحرك من جديد اقتربت قليلاً منه و لكن الصمت لا يزال مسيطرا على أجواء اللقاء .
شفاه سلمى ترتجف وهي تحاول أن تقول شيئا له وهما على هذه الحالة 
دخلت أم سلمى لترى هذا المشهد الذي ادخلها في غيبوبة لمدة أكثر من ساعة والطاقم الطبي في المشفى يحاول إيقاظها بكل الوسائل 
سلمى تتجه نحو هذا الرجل ونظراتها مليئة بإشارات تعجب و استفهام 
لغة الصمت كانت هي وسيلة سلمى للتخاطب معه أول إشعار وصله ترجمه على الفور  من أنت وماذا تريد مني هكذا فهمها الرجل من خلال تلك النظرات اقترب الرجل نحو سلمى قائلا :
ابنتي أدرك تماما بأنني ادخلتك في متاهة من خلال تعقبي لتحركاتك 
إلا أنني كنت احتاج لرؤيتك أحتاج لهذا الدفء بعد هذا الغياب الطويل غيابي عنك قد رسم تأثيراته السلبية على ملامح وجهي انظري جيدا ماذا فعل بي الزمان سلمى تنظر إليه تحاول أن تقول شيئا إلا أن شفتاها ترتجفان أم سلمى في تلك اللحظات تستعيد وعيها لتقف من جديد أمام هذا الرجل وتقول له لماذا ظهرت في حياتنا من جديد ألم تكتف بعد 
من ألحاق الأذى والضرر بنا سلمى نظرت إلى أمها وهي في حالة اللا وعي أمي هل تعرفين هذا الرجل سألت سلمى أمها .
أم سلمى نعم هو أقرب لك من بياض العين لسوادها 
 انه والدك الذي تركني وحيدة أصارع الحياة وقسوتها وأنت لازلت طفلة تركني وهرب من متطلبات الحياة اليومية عاودت ام سلمى سؤالها له لماذا ظهرت في حياتنا من جديد هيا ارحل واتركنا بحالنا لا مكان لك بيننا ..
سلمى سقطت على الأرض مجددا نادى الرجل الطبيب المعالج على الفور توجه الطاقم الطبي لتدارك الحالة أسرعت أم سلمى باتجاه زوجها قائلة له بصوت عال :هيا أخرج من هنا لا أريد أن أراك مجددا 
ثم التفتت إلى ابنتها لتراقب حالتها والدموع تسير بغزارة على خديها 
خرج الطبيب بعد أن استقر وضع سلمى من جديد 
الرجل لا يزال في الغرفة منتظرا للاطمئنان على حالة ابنته سلمى 
اقترب من ابنته انحنى على سريرها همس في أذنيها 
جملة واحدة أحبك كثيرا يا حياتي ...
ثم التفت إلى زوجته قائلا 
أعلم تماما بأنني اقترفت أخطاء عظيمة في حقك وقررت العودة 
لأطلب منك العفو والسماح فقد أعلنت التوبة لله سبحانه وتعالى 
والآن اطلب منك الصفح والعفو أريد أن أعيش ما تبقى من حياتي 
بينكم أرجوك سامحيني واغفري لي جميع أخطائي أرجوك
جلست أم سلمى على الكرسي والدموع تهطل بغزارة على خديها 
لماذا عدت وفتحت جرحا كان قد بدأ يندمل.. لماذا؟
سلمى تستعيد وعيها لتقف وتطلب من أمها أن تصفح 
عن والدها لقد سمعت سلمى ما دار بين والداها من حديث 
قائلة العفو عند المقدرة من شيم الكرام وأنت كريمة يا أمي هكذا وجهت سلمى بعض الكلمات الطيبة لوالدتها العظيمة ..
ألتزم الجميع الصمت لبضع دقائق ثم وقفت أم سلمى 
و نظرت إلى سلمى ثم إلى زوجها لتعلن قرارها 
بالترحيب لعودة زوجها لهما من جديد ...
خرجت سلمى المشفى وبدأت رحلة حياة جديدة ملأها الفرح والسعادة .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا ‏سيدة ‏الجمال ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏// ‏ ‏ ‏ ‏ ‏بقلم ‏الشاعر ‏لؤي ‏الشولي ‏

أيقونة الصباح // بقلم الشاعرة منيرة سلمان تفوح

ما حيلة المشتاقِ/بقلم الشاعر د علاء الدين آله رشي