على تراب الأرض العطشى/بقلم:د.مفلح شحادة شحادة
الأكاديمية السورية الدولية للثقافة والعلوم
على تراب الأرض العطشى ، وقف طفل صغير، يمينه خيمة متهالكة ويساره رفيقتها. يمسك بين كفيه طاسة فارغة كأنما يستجدي الأقدار قطرة سلام، وترتسم على ملامحه جغرافيا الحزن الصامت.
لم تسعفه سنواته القليلة لفهم لماذا تحولت ملامح الحياة من وجوه مبتسمة إلى أطلال ذكريات. لم يدرك بعدُ كيف يكون العالم بهذه القسوة، ولم يجرب الإجابة لغزًا يُدعى "لم الحرمان؟".
ها هو يقف، خصلات شعره تتمرد على النسمات العابرة، تلك العيون الواسعة مزيج من البراءة والاستغاثة، والطاسة الفارغة تُصدر صدى الأمل الباقي في البحث عن رغيف الدفء والأمان.
طفل بعمر الزهور، لونته الحياة بألوان الرماد، وغُمِست قدماه بطين الأسى قبل أن تخطو. يتلفت يميناً ويساراً، يرقب أحلام طفولته المبعثرة على أطراف الخيام، تتناثر كأشلاء أمنية تبحث عن راحتها.
الخيام على يمينه ويساره كأنها سفن نجاةٍ رست في بحر العدم، شراعها مزق من القماش، تأوي القلوب الموجوعة والأجساد الهزيلة. تتوارى خلفها قصص ليالٍ لا يقرأها إلا من عاش عتمتها وصقيعها.
بيديه الصغيرتين يمسك الطفل الطاسة كأنها درعه الوحيد ضد جيوش الجوع، كأنها قوس قزح ينتظر نزول المطر ليظهر. ولكن السماء تبخل بدموعها والأرض تغدق بجفافها.
نظراته إلى الأفق البعيد، تهفو إلى ما وراء الجبال، إلى عالمٍ يكون فيه الطفل مجرد طفل. يُحلم بالطائرات الورقية بدلاً من الطائرات التي تصهل في الجو بدويها المرعب، يتوق للألعاب بدلاً من الأنقاض.
كم طفل يقف اليوم على أرض لا تمنح إلا الانتظار؟ كم طفل يحمل طاسة فارغة بين يديه بدلاً من علبة ألوان؟ كم عين بريئة تغفو على وسادة القهر وتُصبح على فراش الخوف؟
تعليقات
إرسال تعليق